خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : منزلة السنة في الشريعة الإسلامية
خطبة الجمعة
خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : منزلة السنة في الشريعة الإسلامية ، بتاريخ: 27 جماد آخر 1441هـ – 21 فبراير 2020م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : منزلة السنة في الشريعة الإسلامية :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : منزلة السنة في الشريعة الإسلامية ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : منزلة السنة في الشريعة الإسلامية ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : منزلة السنة في الشريعة الإسلامية : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : منزلة السنة في الشريعة الإسلامية :
العنصر الأول: منزلة السنة ومكانتها في الإسلام
العنصر الثاني: أوجه السنة مع القرآن
العنصر الثالث: واجبنا نحو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: منزلة السنة ومكانتها في الإسلام
عباد الله: إن للسنة منزلةً كبيرةً في الإسلام ؛ فهي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله تعالى .
والسُّنة: هي ما ثَبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم مِن قولٍ أو فِعْلٍ أو تقريرٍ أو وصفٍ خُلُقي أو خلْقي له صلى الله عليه وسلم.
والسنة هي الأصل الذي يجب تحكيمُه في قضايانا، والقضاءُ به في حل خلافاتنا:
والانطلاقُ به نحو مواجهة مناوئينا المتربصين بنا، بل هو السبيل لفَهم كتاب ربنا، والترجمة عن مراد خالقنا، حتى اشتَهرت عبارات علمائنا في بيان هذا المعنى، فقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: ” السُّنة قاضيةٌ على القرآن، وليس القرآن بقاضٍ على السنة “، وقال الأوزاعي:
” الكتاب أحوج إلى السُّنة من السنة إلى الكتاب “؛ أي: تَشرحه وتبيِّن المراد منه، ولم يبعث الله تعالى رسولَه إلا من أجل البيان؛ لأن القرآن وحيٌ مَتْلُوٌّ، والسنة وحي مَرويٌّ؛ قال تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } [النجم: 3]، وأمرنا سبحانه بالرجوع إلى سنة نبيه وتحكيمها بيننا عند التنازع والاختلاف، فقال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء: 59]. فكان الصحابة إذا نزلت بهم نازلة، ولم يجدوا لها في القرآن الكريم حكمًا، سألوا عمن سمع شيئًا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ثبَتَ عندهم حديثٌ أخذوا به، وحكَّموه فيما بينهم .
أيها المسلمون : مِن الناس مَن يُشكِّك في السُّنة النبوية، أو يُقلل مِن منزلتها في قلوب المسلمين، وهذا أمرٌ خطيرٌ يجب أن ننتبه له، فالسُّنة مصدرٌ أساسٌ مِن مصادر التشريع، ويجب على كل مسلم أن يسمع ويطيع للسنة الصحيحة كما يسمع ويطيع لله؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل طاعة الرسول من طاعته ؛ فقال تعالى:
{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } [النساء: 80]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة بغير قرينتها. قوله تعالى: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ” فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. الثانية: قوله تعالى: ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ” فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه. الثالثة: قوله تعالى: ” أن اشكر لي ولوالديك ” فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
فلا يمكن الاستغناء أبداً عن السنة والاكتفاء بالقرآن:
كما جاءت جماعة سموا أنفسهم القرآنيين ؛ فاهتموا بالقرآن وأنكروا سنة النبي العدنان عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ؛ بحجة أن القرآن فيه كل شيء ؛ نعم القرآن فيه كل شيء مجملًا لا مفصلًا ؛ والسنة جاءت شارحةً ومفصلةً ومبينةً كما سيأتي في عنصرنا الثاني إن شاء الله تعالى .
روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسعُودٍ قَالَ: ” لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ؛ قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ؛ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ؛ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }” . ( متفق عليه ) .
ويحضرني قصة وموقف نبيل مع أحد علمائنا الأجلاء حينما سافر إلى بلاد الغرب فسأله أحدهم: أنتم تقولون أن كل شئ مذكور في القرآن. قال: نعم. قال: ائتني بدليل من القرآن أن هذا الشوال من الدقيق يصنع منه كم رغيف من الخبز ؟! قال له العالم: ائتني بخبّاز . فأتاه الرجل بالخباز فسأله العالم. فأجابه الخباز . فقال: أنت سألت الخباز ولم تأت بدليل من القرآن؛ قال: أتيت بدليل من القرآن. ألم تقرأ قوله تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43) ؛ وهذا أهل الذكر في مجاله؛ فسكت ولم يرد .
فكيف يأتي قائل يقول نكتفي بالقرآن دليلًا ؟ أيستطيع أن يقوم بفروع العبادات دون الرجوع إلى السنة ؟!!
يقول الإمام ابن حزم : ” ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها والسلام، وبيان ما يجتنب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة، والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة ورمي الجمار، وصفة الإحرام، وما يجتنب فيه، وقطع يد السارق، وصفة الرضاع المحرم، وما يحرم من المآكل، وصفة الذبائح والضحايا وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا، والأقضية والتداعي والأيمان والأحباس، والعمرى، والصدقات، وسائر أنواع الفقه ؟ وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها، لم ندر كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – “. ( الأحكام ) .
أختم هذا العنصر بالحديث المشهور الذي يصور ذلك ؛ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ : يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي ، فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. ( ابن ماجة والترمذي وحسنه ) .
وهكذا ظهر لنا بوضوح أهمية السنة ومكانتها في الإسلام .
العنصر الثاني: أوجه السنة مع القرآن
عباد الله : نعلم جميعًا أن السنة جاءت موضحةً ومفصلةً للقرآن الكريم ؛ فكانت السنة مع القرآن على خمسةِ أحوالٍ :
أولًا: أن تكون السنة مقرِّرةً ومؤكِّدةً حكمًا جاء في القرآن:
كالأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والنهي عن الشرك بالله، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، وقتل النفس بغير حق، وغيرها؛ فكل هذه الأحكام وردت في القرآن ؛ وجاءت السنة مؤكدة لهذه الأحكام .
ثانيًا: أن تكون السنة مبيِّنةً ومفصِّلةً لحكم جاء في القرآنِ مجمَلًا :
كإقامة الصلاة، فقد ورد في القرآن مجملًا من غير تفصيل؛ كما في قوله تعالى: { وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ } [الأنعام: 72]، فبيَّنت السنةُ عددَ الصلوات، وعددَ الركعات في كل صلاة، وما يُقرأ في كل ركعة، وكيفيةَ التشهد، وأحكامَ السهو وغيرَ ذلك مما لم نَعرفه إلا عن طريقِ رسولِنا الكريمِ صلى الله عليه وسلم، الذي قال: ” صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي ” . ( البخاري)، وفي الحج كذلك بينت السنةُ كيفيةَ الحجِ والإحرام والطواف والسعي والرمي والذبح وغيرها من المناسك؛ وهو القائل – صلى الله عليه وسلم- : ”خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ ” ( مسلم والنسائي) .
وكذلك تبين السنة ما أشكل من القرآن ؛ ففي الصحيحين عن عَدِيٍّ، قال: لَمَّا نزَلَتْ: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } . [البقرة: 187]، عمدت إلى عِقالٍ أسود، وإلى عقالٍ أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلتُ أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ له ذلك، فقال: ” إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار” . [ البخاري ومسلم ].
ثالثًا: أن تكون السنة مقيِّدةً لحكم جاء في القرآن مطلقًا:
كما في قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [المائدة: 38]، فَذُكِرت اليد مطلقة، لا ندري أهي اليد اليمنى أم اليسرى؟ وهل تُقطع من الكوع، أم من المرفق، أم من الكتف، إذ كل ذلك يطلق عليه اليد؟! فبيَّنت السُّنةُ أن المراد هو اليد اليمنى، وأنها تقطع من الكوع، وإن عاد للسرقة تقطع رِجله اليسرى؛ قال صلى الله عليه وسلم: ” إنْ سرقَ فاقطَعُوا يدَهُ، ثم إن سرقَ فاقطعُوا رِجله ” .( الدار قطني بسند صحيح ). كما بيَّنت السنة مقدارَ الشيء المسروق الذي تُقطع فيه اليد، ونوعه، وزمن سرقته، وطريقة سرقته، فلا يُنفذ الحكم في كل سرقة.
رابعًا: أن تكون السنة مخصِّصةً حكمًا ورَد في القرآن عامًّا:
كقوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } . [النساء: 11]، فإنه عام في كل أولاد المخاطبين، غير أن السنة استثنت أولاد الأنبياء، فإنهم لا يورثون؛ قال صلى الله عليه وسلم: ” لا نُورَثُ؛ ما تَركْنا فهو صدقةٌ ” . ( متفق عليه ). واستثنت أولاد الكافر، فلا يرثون من أبيهم أو أُمِّهم غير المسلمَيْنِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ” لا يَرِثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ ” . ( متفق عليه ).
خامساً: أن تكون السنة منشئةً لحكمٍ جديد ليس في القرآن الكريم:
كتحديد نصيب الجدة في الإرث، وأحكام الشفعة، وتحريم لُبس الحرير والذهب على الرجال، وجعل الرضاع مُحرِّمًا كالنَّسب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ” يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ ” . ( البخاري) ، وتحريم أكل الحيوانات المفترسة التي لها أنياب، والطيور المفترسة التي لها مخالب؛ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ” نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن كُلِّ ذي نَابٍ مِن السِّبَاع، وعن كلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِن الطَّير ” .( متفق عليه) . والأمثلة على ذلك كثيرة .
فكيف بعد بيان السنة لهذه الأوجه كلها يَزعم قومٌ إمكانية الاستغناء عن السُّنة والاكتفاء بالقرآن؟! وكيف يجنح آخرون فيشكِّكون في ثبوت السنة، ويضربون بها جميعها عُرض الحائط؛ لورود بعض الأحاديث لفَّقها بعض الكذابين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يَقُلْها؟ بل كيف نلقى الله تعالى حين يسألنا عن بلاغ رسولنا ماذا عمِلنا فيه؟!
يقول الإمام النووي رحمه الله:
“على السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات، فإن أكثر الآيات الفروعيات مجملات، وبيانها في السنن المحكمات، وقد اتَّفق العلماء أن على القاضي والمفتي أن يكون عالِمًا بالأحاديث الحكميات “.
وقال علي الخواص رحمه الله: ” لولا أن السنة بيَّنت لنا ما أُجمل في القرآن، ما قدر أحد أن يستخرج أحكام المياه والطهارة، ولا عرَف كيف يكون الصبح ركعتين، والظهر والعصر والعشاء أربعًا، ولا كون المغرب ثلاثًا، ولا كان أحد يَعرِف ما يقال في دعاء التوجه والافتتاح، ولا عرف صفة التكبير، ولا أذكار الركوع والسجود والاعتدالين، ولا ما يقال في جلوس التشهدين، ولا كان يَعرف كيفية صلاة العيدين والكسوفين، ولا غيرهما من الصلوات – كصلاة الجنازة، والاستسقاء – ولا كان يعرف الزكاة، ولا أركان الصيام والحج، والبيع والنكاح، والجراح والأقضية، وسائر أبواب الفقه”.
العنصر الثالث: واجبنا نحو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم
عباد الله: بعد أن عرفنا أهمية السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ؛ وأوجه السنة مع القرآن الكريم ؛ نأتي إلى عنصرنا العملي التطبيقي وهو : ما واجبنا نحو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ؟! والجواب : واجبنا يتمثل فيما يلي :
أولًا: اتباع سنته صلى الله عليه وسلم:
فما أحوجنا أن نرجع من جديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لنسير على دربه، فوالله لا سعادة لنا ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا إذا عدنا من جديد إليه وسرنا على نفس الدرب الذي سار عليه، ورددنا مع السابقين الأولين الصادقين قولتهم الخالدة: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].
فعن جابر رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع يوم عرفة: « تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». (رواه مسلم)؛ وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ” عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” ( أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح) .
قال القاري في المرقاة :
” فعليكم بسنتي ” أي بطريقتي الثابتة عني واجبًا أو مندوبًا ، وسنة الخلفاء الراشدين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي ، فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم .”
فأهم واجباتنا نحو نبينا اتباعه صلى الله عليه وسلم واتباع هديه في كل شيء؛ وإذا كان الصحابة قد أحبوا النبي لصحبتهم واتباعهم له، فينبغي لنا أن نحبه ونتبع سنته { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }( آل عمران: 31)، إننا إن فعلنا ذلك نكون أحبابه، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ :
” السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ . وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا . قَالُوا : أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ . فَقَالُوا : كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ ، أَلا يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، أَلا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ ، أُنَادِيهِمْ : أَلا هَلُمَّ ، فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ : سُحْقًا سُحْقًا .” ( مسلم ) .
ثانيًا: نشر السنة وتبصير الناس بها:
فينبغي أن نسعى في نشر السنة وتبصير الناس بها ؛ كما في الحديث الصحيح عند أبي داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” نضر الله امرءًا سمع مقالتي ووعاها فأداها كما سمعها فَرُبَّ مبلغ أوعى من سامع”.
ويلحق بذلك إحياء السنن المهجورة وحث الناس عليها، وإحياء السنن المهجورة هو المقصود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره: ” مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ..”، فالحديث وارد في إحياء سنة وحث الناس عليها، وقصته أن قومًا فقراء مخرقي الثياب قدموا المسجد، فقام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصدق عليهم ؛ فتبعه الناس واقتدوا بفعله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث مُثنيًا على ذلك الرجل .
ثالثًا : الدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم :
فنحن نرى ونسمع بين الفينة والأخرى من يشكك في السنة؛ أو يطعن في بعض الأحاديث الصحاح؛ أو يحملها ما لا تحتمل من أفكار ومعتقدات وأباطيل ؛ وكل ذلك يحتاج إلى دفاع ومواجهة ودحض .
أيها المسلمون: لقد سخر الله عز وجل رجالًا في هذه الأمة في كل مكان وزمان للدفاع عن دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وكيد الحاسدين الحانقين؛ وهذا ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم . فَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: « يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ؛ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلين» ( البيهقي بسند صحيح ) .
ولقد تنبأ صلى الله عليه وسلم بفعل هؤلاء الخوارج؛ الذين خرجوا عن مسار الدين الصحيح واتجاهاته؛ إلى مسارات أخرى تخدم أفكارهم ومعتقداتهم وضلالهم؛ وهدفهم من ذلك تحربف القرآن والسنة ؛ ولكن هيهات هيهات؛ فعلماؤنا لهم بالمرصاد!! قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ؛ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ؛ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ؛ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.” (متفق عليه) .
قال الإمام النووي:
” معناه: لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه ، ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف” . ( شرح النووي) .
رابعًا: الفهم الصحيح لمقاصد السنة: فنحن نعلم أن الدين يسر ولين وتسامح ؛ وأن الشريعة جاءت صالحة لكل زمان ومكان ؛ وأن النص حمَّالٌ للوجوه ؛ ونحن نرى كثيرًا من المتنطعين يلوون عنق النص لصالح أغراض فئة معينة ؛ وفئة أخرى تأخذ بظاهر النص دون فهم مقاصده وحمل الناس عليه وتكفير من خالفهم ؛ مع أن النص جاء لأغراض أخرى .
ألا فلنتبه إلى هذه الظاهرة الخطيرة التي عمت بها البلوى في كل زمان ومكان . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا”(متفق عليه).
خامسًا: التأدب مع صاحب السنة صلى الله عليه وسلم وتوقيره :
فمن واجبنا نحو سنة نبينا الأدب معه صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتوقير أهله وأزواجه وأصحابه. قال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفتح: 8 ؛ 9) .
قال القاضي عياض: ومن توقيره صلى الله عليه وسلم وبره برُّ آله وذريته وأمهات المؤمنين وأزواجه؛ وتوقيرُ أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم والاقتداء بهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم ومعاداة من عاداهم.
سادسًا : التحذير من الاستهزاء بالسنة :
فكثير من الناس حينما يسمع سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – تراه يسخر منها مستهزئًا بها ؛ فليحذر هؤلاء من العاقبة الوخيمة في الدنيا والآخرة ؛ وإليكم هاتين القصتين في هذا المضمون :
القصة الأولى : قصة متابعة الإمام في الصلاة وعدم الرفع قبله : فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال:” أما يخشى أحدكم، إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله – عز وجل- رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار ” . [البخاري ومسلم].
” حكي عن بعض المحدثين: أنه رحل إلى دمشق لأخذ الحديث عن شيخ مشهور بها. – يقول المحدث: فقرأ جملة لكنه – أي الشيخ – كان يجعل بيني وبينه حجابًا ولم ير وجهه؛ فلما طالت ملازمته له، ورأى حرصه على الحديث، كشف له الستر فرأى وجهه وجه حمار! فقال له: احذر يا بني أن تسبق الامام؛ فإني لما مر بي الحديث – يعني: حديث أبي هريرة السابق – استبعدت وقوعه؛ فسبقت الإمام، فصار وجهي كما ترى! والله تعالى أعلم”.[فتح الملهم وتحفة الأحوذي] .
القصة الثانية : الاستهزاء بالسواك :
” قال النووي: ومن هذا المعنى ما وجد في زماننا، وتواترت الأخبار به، وثبت عند الثقات: ” أن رجلاً بقرية ببلاد بصرى في سنة خمس وستين وست مئة، كان سيء الاعتقاد في أهل الخير وابنه يعتقدهم . فجاءه من عند شيخ صالح ومعه سواك فقال مستهزئًا: أعطاك شيخك هذا السواك. فأخذه وأدخله في دبره استحقارًا له، فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل السواك جروًا – ولد الكلب – قريب الشبه بالسمكة فقتله، ثم مات الرجل حالاً أو بعد يومين”[فيض القدير].
فاحذر أن تستهزئ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فتلاحقك العقوبة عاجلًا قبل آجلٍ .
سابعاً: مداومة الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – وخصوصا عند ذكره:
فالعبد إذا أحب إنسانًا ذكره في كل محفل وكل مجلس ؛ فإذا كنت تحب الله فداوم على ذكره؛ وإذا كنت تحب الرسول صلى الله عليه وسلم فأكثر من الصلاة عليه؛ ولا سيما عند ذكره وذكر سنته؛ فإن الله صلى عليه أولًا وثنى بملائكته وأمرنا بالصلاة عليه تعظيمًا وتكريمًا وتشريفًا؛ :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}( الأحزاب : 55). قال القاضي أبو بكر بن بكير: ” افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا تسليماً، ولم يجعل ذلك لوقت معلوم؛ فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل عنه “.
بل إن كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تكفي الهم وتكفر الذنب . فعن أبي بن كعب قال : قلت : يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال : ” ما شئت ” قلت : الربع ؟ قال : ” ما شئت فإن زدت فهو خير لك ” . قلت : النصف ؟ قال : ” ما شئت فإن زدت فهو خير لك ” قلت : فالثلثين ؟ قال : ” ما شئت فإن زدت فهو خير لك ” قلت : اجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : ” إذا يكفى همك ويكفر لك ذنبك ” .( الترمذي والبيهقي بسند حسن) .
فعليكم – أيها المسلمون – التمسك بسنة نبيكم ؛ وعلموها أولادكم وبناتكم لتفوزوا بسعادة العاجل والآجل .
اللهم احفظ دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ؛ وردنا إليك ردًا جميلًا ؛ اللهم اسقنا من يد حبيبك محمد شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا .
اللهم احفظ مصرنا وبلادنا وجيشنا من كل مكروه وسوء ؛؛
الدعاء،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
الخطبة المسموعة (خطبة الجمعة) علي اليوتيوب
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
الخطبة المسموعة (خطبة الجمعة القادمة المسموعة) علي اليوتيوب